أمام التحديات الكبرى التي تواجهها الجماعات الترابية في تدبير الموارد المائية، تتطلب الحلول المستدامة مقاربة شمولية تجمع بين التقنيات الحديثة، التعاون بين مختلف المتدخلين في القطاع، وتعزيز الوعي المجتمعي حول ضرورة الحفاظ على المياه. تعتمد الحلول المستدامة على ثلاثة محاور رئيسية:
1. تقنيات تحلية مياه البحر
تشكل تحلية مياه البحر أحد الحلول الأساسية التي اعتمدتها الحكومة المغربية لمواجهة نقص المياه. شهد المغرب عدة مشاريع لتحلية المياه، منها محطة تحلية مياه البحر بمدينة أغادير، التي تعتبر واحدة من أكبر المحطات في إفريقيا. من المتوقع أن تتزايد مشاريع التحلية في المستقبل لتوفير كميات كافية من المياه خصوصًا في المناطق الساحلية التي تعاني من ندرة المياه.
تقوم هذه المشاريع بتوفير المياه الصالحة للشرب من خلال إزالة الأملاح من مياه البحر، مما يقلل الضغط على الموارد المائية العذبة. هذه التقنية تُعتبر استثمارًا طويل الأمد، وهي خيار استراتيجي يمكن للجماعات الترابية التركيز عليه لتلبية الاحتياجات المائية المستقبلية.
2. إعادة استخدام المياه العادمة
إعادة تدوير ومعالجة المياه العادمة أصبحت أحد الحلول الرئيسية التي تعتمدها الجماعات الترابية لتلبية احتياجات قطاعات مثل الزراعة والصناعة. حيث تُعالج المياه العادمة في محطات معالجة متخصصة وتُستخدم بعد ذلك لري المساحات الزراعية أو في العمليات الصناعية، مما يقلل من الاعتماد على المياه العذبة.
في مدينة مراكش، تم تطوير برنامج طموح لإعادة استخدام المياه العادمة في ري المساحات الخضراء. هذا النموذج يمكن اعتماده في مدن أخرى مثل الدار البيضاء وأكادير، حيث يمكن الاستفادة من كميات كبيرة من المياه المعالجة لدعم القطاعات الزراعية والاقتصادية.
3. التوعية المجتمعية وترشيد الاستهلاك
تشكل حملات التوعية المجتمعية عنصرًا أساسيًا في تحقيق استدامة الموارد المائية. يعتبر ترشيد استهلاك المياه من مسؤولية الجميع، والجماعات الترابية لها دور فعال في نشر ثقافة الحفاظ على المياه داخل المجتمع. برامج التوعية تشمل المدارس، الجمعيات، والوسائل الإعلامية، حيث يتم التركيز على نشر مفاهيم الاستهلاك الرشيد وأهمية تجنب الهدر.
في هذا السياق، يمكن للجماعات الترابية بالتعاون مع SRM تنظيم حملات توعية دورية تهدف إلى توجيه المواطنين نحو استخدام المياه بشكل أكثر فعالية، سواء في المنازل أو في الأنشطة الزراعية والصناعية.
مقارنة بين مدينة الدار البيضاء ومدن مغربية أخرى في تدبير المياه
مدينة الدار البيضاء، باعتبارها العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية، تواجه تحديات كبرى في تدبير الموارد المائية نظرًا للكثافة السكانية العالية والنمو الصناعي المتسارع. مقارنة ببعض المدن الأخرى مثل طنجة أو أكادير، نجد أن الدار البيضاء تتصدر في اعتماد التقنيات الحديثة لتحسين توزيع المياه وتقليل الهدر. نعرض بعض المقارنات التي توضح أوجه التباين والتشابه بين هذه المدن:
الدار البيضاء:
- التحديات: الكثافة السكانية العالية والتوسع العمراني يزيد من الطلب على المياه، وتواجه المدينة تحديات في تحسين شبكات التوزيع القديمة.
- الحلول المعتمدة: تعتمد الدار البيضاء على شركة SRM لتحديث شبكات التوزيع، حيث ساهمت الشركة في تقليل الفاقد من المياه بفضل الاستثمار في العدادات الذكية وصيانة الشبكات.
- المشاريع الكبرى: مشروع تحلية مياه البحر في الدار البيضاء يعد أحد الحلول المستقبلية لمواجهة شح المياه، إلى جانب برامج إعادة تدوير المياه العادمة.
طنجة:
- التحديات: النمو الصناعي السريع والتوسع العمراني أثر بشكل كبير على الموارد المائية المتاحة.
- الحلول المعتمدة: تعتمد المدينة بشكل كبير على مشاريع تحلية مياه البحر وإعادة استخدام المياه المعالجة في القطاع الصناعي.
أغادير:
- التحديات: تعتبر أغادير مدينة ذات مناخ جاف، مما يزيد من حاجتها للمياه بشكل مستمر.
- الحلول المعتمدة: محطة تحلية مياه البحر التي تم إنشاؤها في أغادير تعد من أكبر المشاريع الوطنية لمواجهة شح المياه.
مقتطفات من خطاب الملك محمد السادس حول تدبير المياه
في خطابه بمناسبة "اليوم العالمي للماء"، شدد الملك محمد السادس على أهمية تدبير الموارد المائية ومواجهة تحديات شح المياه. جاء في الخطاب الملكي:
"إننا أمام واقع صعب يفرض علينا التحلي بالمسؤولية المشتركة والوعي الجماعي بضرورة ترشيد استعمال الموارد المائية. إن الحفاظ على هذه الموارد مسألة وجودية تتطلب منا اتخاذ تدابير فعالة ومستدامة لضمان استمرارية الحياة والتنمية."
هذا الخطاب الملكي يضع المسؤولية على عاتق الجميع، سواء الحكومة، الجماعات الترابية، أو المواطنين في الحفاظ على هذا المورد الثمين.
النصوص القانونية المتعلقة بتدبير المياه (القانون التنظيمي 113-14)
المادة 83 من القانون التنظيمي 113-14، التي تنظم اختصاصات الجماعات الترابية في مجال توزيع المياه، تعتبر مرجعًا أساسيًا في تسيير هذا القطاع. تنص المادة على:
"تختص الجماعة في ميدان توزيع الماء الشروب في حدود نطاقها الترابي. ويجب على الجماعة، في إطار برامجها التنموية، السهر على توفير الموارد المائية بشكل كافٍ ومستدام، والعمل على ترشيد استهلاكها وحماية مصادرها."
كما تنص المادة 96 من نفس القانون على أن:
"من مهام الجماعات الترابية تدبير خدمات الماء والكهرباء، بما يضمن استمرارية هذه الخدمات وجودتها."
خاتمة
ختامًا، يمكن القول إن الجماعات الترابية تلعب دورًا محوريًا في تدبير الموارد المائية بالمغرب، ويزداد هذا الدور أهمية مع تزايد التحديات البيئية والاقتصادية. دخول شركة SRM في توزيع الماء والكهرباء ساهم بشكل فعال في تحسين كفاءة إدارة الموارد المائية، إلا أن هناك حاجة ملحة لتعزيز التعاون بين مختلف المتدخلين وتبني الحلول التقنية المستدامة مثل تحلية مياه البحر وإعادة استخدام المياه العادمة.
في ظل توجيهات الملك محمد السادس والقوانين التنظيمية، يتعين على الجماعات الترابية مواصلة جهودها في تحسين إدارة المياه والعمل على ترشيد الاستهلاك لضمان استدامة هذا المورد الحيوي للأجيال القادمة. كما ينبغي تعزيز حملات التوعية المجتمعية لضمان مشاركة فعالة من المواطنين في الحفاظ على المياه.
الاحصائيات والمقارنات التي تناولناها بين المدن المغربية توضح أن المدن الكبرى مثل الدار البيضاء وأغادير تبنت حلولًا رائدة في تدبير المياه، مما يشكل نموذجًا يمكن لباقي المدن الاقتداء